بقلم – ميرنا محمد
مرشدة سياحية – باحثة فى الآثار المصرية
ما هي هذه الأحجار التي ظهرت بعد جفاف الكثير من الأنهار والبحيرات في أوروبا؟ وأين ظهرت؟
وعلى ماذا تدل أو بماذا تنذر؟ وهل ظهر شيء آخر معها؟
بعد أسابيع من موجة الجفاف الشديد التي شهدتها أوروبا، والتي أدت إلى انخفاض المياه في أنهار القارة وبحيراتها إلى مستويات قياسية
عادت إلى الأذهان مع عودة ظهور ما يطلق عليها اسم “أحجار الجوع” على طول نهر الراين، وهي صخور في مجرى الأنهار لا يمكن رؤيتها إلا عندما تكون مستويات المياه منخفضة للغاية.
وحجر الجوع نوع من معلم هيدرولوجي شائع في أوروبا الوسطى. وتعتبر أحجار الجوع بمثابة نصب تذكارية وتحذيرات للمجاعة، وقد أقيمت في ألمانيا وفي المستوطنات العرقية الألمانية في جميع أنحاء أوروبا في القرنين الخامس عشر والتاسع عشر.
تاريخ أقدم نقش عُثر عليه في حوض نهر “إلبه” يعود إلى عام 1616، وهو مكتوب باللغة الألمانية وهي: “هونجرشتاينه” (التي تُترجم حرفياً إلى “حجارة الجوع”). دمج هذه الحجارة في نهر أثناء فترات الجفاف لتحديد مستوى المياه كتحذير للأجيال القادمة بأنه سيتعين عليهم تحمل المصاعب المرتبطة بالمجاعة إذا هبطت المياء إلى هذا المستوى مرة أخرى. أحد الأمثلة الشهيرة في نهر إلبه في دتشين، جمهورية التشيك، نقشت فيه عبارات (حرفياً “إذا رأيتني، ابكي”) كتحذير.
وهناك نقش على أحد الصخور الأخرى يقول: “ستزدهر الحياة مرة أخرى بمجرد اختفاء هذا الحجر”. ونقش آخر: “الشخص الذي رآني ذات مرة، بكى. ومن يراني الآن سيبكي”. وفي نقش ثالث مكتوب “إذا رأيت هذا الحجر مرة أخرى، فسوف تبكي. هكذا كانت المياه ضحلة في عام 1417”.
ولقد واكتشف عالم الآثار الألماني هوجو أوبرماير الدائرة الحجرية في عام 1926، لكن المنطقة غُمرت في عام 1963 في مشروع تنمية ريفية أثناء حكم فرانشيسكو فرانكو. ومنذ ذلك الحين، لم تُشاهد بالكامل سوى 4 مرات فحسب.وتعرف الدائرة الحجرية رسميا باسم “دولمن أوف جوادالبيرل”
وتشير التحذيرات إلى أن الجفاف يؤثر حالياً على نحو 60% من الأراضي الأوروبية، وفقاً لـ”مرصد الجفاف الأوروبي”، في وقت شهدت الأنهار الرئيسة في ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا انخفاضاً لافتاً في مستوى مياهها.وفي إسبانيا، التي عانت أسوأ موجة جفاف منذ عقود،
بالإضافة إلى ما تقدم، انخفض نهر الدانوب، أحد الأنهار الكبيرة الأخرى في أوروبا، إلى أحد أدنى مستوياته منذ ما يقرب من قرن نتيجة للجفاف، ما كشف عن هياكل أكثر من 20 سفينة حربية ألمانية غرقت خلال الحرب العالمية الثانية بالقرب من ميناء براهوفو الصربي.
إلى ذلك، أعلنت إيطاليا حالة الطوارئ في المناطق المحيطة بنهر بو. وفي أواخر يوليو تم اكتشاف قنبلة ترجع للحرب العالمية الثانية تزن 450 كيلوغراماً مغمورة في المياه المنخفضة لأطول نهر في البلاد.
تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الجفاف، أصبحت في السنوات الأخيرة، واحدة من أبرز علامات تغير المناخ في وسط أوروبا.
ووفقاً لدراسة أجراها فريق من علماء الآثار في جمهورية التشيك في عام 2013، يُمكن قراءة السنوات 1417 و1616 و1707 و1746 و1790 و1800 و1811 و1830 و1842 و1868 و1892 و1893 على الحجر.
وفي الأسابيع الأخيرة، اضطرت دول مثل فرنسا وإسبانيا إلى تقييد استهلاك المياه، علماً أن السلطات اضطرت في أجزاء من كلا البلدين، إلى قطع إمدادات المياه في ظل ظروف معينة.
وأعلنت السلطات الفرنسية في 7 أغسطس أن البلاد تواجه أسوأ موجة جفاف منذ بدء التسجيلات في عام 1958. وفي ألمانيا، أدى انخفاض منسوب نهر الراين، الذي يتدفق من جبال الألب السويسرية إلى بحر الشمال، بالفعل إلى إجبار شركات الشحن على الإبحار بكميات مخفضة من البضائع، وفقاً لوكالة رويترز.
وقال مسؤولون إنه بسبب ضعف تدفق المياه، انخفضت الطاقة الكهرومائية في الأراضي الأوروبية بمقدار النصف في الشهرين الماضيين كما تعاني اوروبا بالفعل من آثار الحرب في أوكرانيا على إمدادات الطاقة.