الأمثال الشعبية في مصر ليست وليدة العصر الحديث وإنما تمتد إلى عهد مصر القديمة فقد رُصدت بعض العبارات التي تحمل في مضمونها حكمة أو قيمة معينة وتطورت مع تطور الزمن
لا تظهر أمثال شعبية جديدة بسبب انقطاع التواصل الحقيقي بين الناس فلا يوجد تفاعل وتعامل حقيقي بين الأفراد تنتج منه مواقف يمكن أن تتكرر وتترجم لأمثال شعبية، فالعلاقات أصبحت محدودة ومقتصرة على التواصل بعبارات مقتضبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أحد أهم روافد التراث الشفهي
الأمثال الشعبية واحدة من أهم روافد التراث الشفهي لأي مجتمع، وفي مصر تحديداً حصيلة واسعة جداً من الأمثال الشعبية التي تعبر عن كافة المواقف الحياتية، من الفرح إلى الحزن، إلى العادات الاجتماعية، والمواقف الكوميدية، بعضها يقطر حكمة وخبرة بالحياة، وبعضها قد يرسم الضحكة على وجه المستمع لسخريتها من واقع معين أو طرحها لفكرة معينة في قالب طريف، وبعضها الآخر قد يحتاج إلى شيء من الخبرة لفهمها لتقديمها مضموناً بشكل غير مباشر، إلا أن المتفق عليه هو أن الأمثال الشعبية المصرية هي جزء رئيس من التراث الشعبي المصري ومن ثقافة المجتمع عبر العصور.
تراجع الاعتماد
وعلى رغم تداول الأمثال الشعبية على الألسنة على مدار الزمن، إلا أنه من الملاحظ حديثاً تراجع الاعتماد عليها نسبياً بين الأجيال الجديدة وربما عدم قدرة البعض على فهمها أو استيعاب مغزاها من الأساس على رغم أنها على مدار سنوات طويلة كانت جزءاً لا يتجزأ من الأحاديث اليومية للناس التي كانت لا تخلو من عبارة “على رأي المثل”.
إمتداد إلى عهد مصر القديمة
والأمثال الشعبية في مصر ليست وليدة العصر الحديث وإنما تمتد إلى عهد مصر القديمة فقد رُصدت بعض العبارات التي تحمل في مضمونها حكمة أو قيمة معينة وتطورت مع تطور الزمن. ويُرجع باحثون عدداً كبيراً من الأمثال الشعبية المصرية المتداولة في العصر الحديث إلى عهد المماليك الذي شهد ظهور كثير من الأمثال المتعلقة بكافة مناحي الحياة.
خلاصة تجارب الناس
وعن المصادر التي اشتُقت منها الأمثال الشعبية ووضعها الحالي، تقول الأستاذة بجامعة المنوفية والباحثة في التراث الشعبي، عزة عزت، إن “المثل الشعبي هو فلسفة وحكمة، وكل مقولة من التراث الشفهي تعبر عن قضية أو مشكلة واجهها شخص معين، ومع التكرار صارت مَثل، فهي خلاصة تجارب للناس في مجتمع معين. بعض هذه الأقوال مشتقة من التراث وبعضها متأثر بالأديان. والأمثال لا تزال متواترة على ألسنة الناس، ما يعني أنه لا تزال هناك حاجة لها.
ولكن بعض الأمثال اختفت بالفعل أو في طريقها للاختفاء ولهذا أسباب عدة، من بينها اختلاف الكلمات أو المصطلحات التي يستخدمها الناس مع الزمن فتصبح مفردات المثل غير مفهومة. أو اختفت المناسبة أو العادة التي يرتبط بها المثل بفعل اختلاف طبيعة الحياة، فتكون الحالة التي يستدعي فيها المثل منتفية وبالتالي لا يتم استخدامه، فالناس تغيرت وطبيعة الحياة تختلف تماماً من جيل لآخر”.
توثيق الأمثال الشعبية
حصيلة واسعة جداً للأمثال الشعبية المصرية تتناول كل المواقف الحياتية وتعكس خبرات في كافة المجالات جرت محاولات عدة لتوثيقها وتسجيلها باعتبارها جزءاً أصيلاً من التراث الشعبي المصري.
رصد وتسجيل
وربما واحدة من أهم محاولات تسجيل ورصد الأمثال الشعبية، هو “كتاب الأمثال” العامية للراحل أحمد تيمور باشا الصادر في منتصف القرن الماضي، فهو يعد مرجعاً أساسياً لكل مهتم بالأمثال الشعبية في مصر، فقدم الكتاب معظم الأمثال الشعبية مقسمة أبجدياً فهو أشبه بقاموس للأمثال الشعبية المصرية.
وفي الوقت الحالي يعنى المعهد العالي بالفنون الشعبية التابع لأكاديمية الفنون في مصر بالعمل على مثل هذا النوع من الدراسات وبالفعل تهتم كثير من الدراسات بهذا المجال باعتباره رافداً رئيساً من روافد التراث الشفهي المصري.
مصدر للإلهام
وعلى مر السنوات كانت الأمثال مصدراً للإلهام سواء للفنانين الذين استوحوا منها أفكاراً لأعمالهم أو للكتاب وصنّاع الدراما أو حالياً لصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي الذين حرص بعضهم على تقديم محتوى يشرح الأمثال وأصولها وحكاياتها بخاصة للأجيال الجديدة.
لماذا لا تظهر أمثال شعبية جديدة؟
من الملاحظ أن الأمثال الشعبية الشهيرة المتداولة كلها تعود إلى زمن قديم، ولم تعد تظهر أمثال جديدة يبتكرها الناس لتتحول مع الزمن إلى جزء من التراث الشفهي للمصريين يعبر عن واقعهم ويعكس طبيعة العادات والظروف والمواقف السائدة في المجتمع في فترة معينة.
الميمز في مواجهة الأمثال الشعبية
من الملاحظ بقوة في السنوات الأخيرة هو اعتماد الناس على “الميمز” على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن موقف معين أو حالة معينة، وفي كثير من الأحيان تُستخدم عبارات من أفلام سينمائية أو شخصية من مسلسل أو فيلم. وحققت هذه الميمز انتشاراً كبيراً وأصبحت في كثير من الأحيان تقوم مقام الأمثال الشعبية أو المقولات المتعارف عليها.