بلادنا كنز عظيم … وبركة أرضها سرها الخفي … عبق التاريخ يعطي لنا دائما إشارات لعزها ومجدها … عندما تعرف من أنت وكيف كنت سوف تستعيد ثباتك ومقاومتك لأي عدو يقلل من مكانتك ومن شأنك !
ومن هنا أود أن أشير لأهمية الموضوع الذي أنا بصدد أن أطرحه لحضرتك عزيزي القارئ..
مصر الحضارة لم تكن مجرد كلمة نطلقها في الهواء .. بل لها جذور متينة قوية عفية أبى الزمن أن يطويها وينسيها رغم محاولات كل الأعداء على مر العصور حتى ممن بدوا أحباء لمصر وهم كارهين..
والموضوع عن التكية المصرية أو الوسية ، هل تعرف شيء عنها؟!
هل تتذكر التكية أو الوسية المصرية التي إشتهرت برعاية الحج والحجاج والفقراء وبيوت العلم والإطعام والتي كانت توفر المأكل والملبس والمشفي والمدرسة على مستوى العالم العربي والإسلامي في كل دول العالم ؟!
في السطور التالية إسمح لي عزيزي القارئ أن نتشارك بالمعرفة عن أهم ملامح تاريخ مصر في العالم من خلال التكية .. وقبل أن أعلن عن تأسيسي للتكية الوسية الجديدة أعلم بداية أنها تاريخ كبير مشرف على جبين الوطن وتميزت به بلادنا بين جميع الدول حول العالم وهي السبب الرئيسي الذي جعل من مصر واحدة من الدول العربية الكبيرة التي لا ينافسها أحد ولعبت دورا مهما لمكانة مصر في العصور الوسطى..
التكيه بدأت من مصر التي كانت تمتد خريطة بلادها في هذا الوقت الى قلب الحبشة ومنابع النيل لتنتشر في كل مكان في الأرض لخدمة الحجاج والمعتمرين ولإطعام الفقراء ورعاية المحتاجين ولتعليم الدين ونشر العلم والثقافة ومساعدة العلماء والباحثين ورجال الدين ونشر الدعوة الإسلامية الصحيحة بالعلم والمعرفة…
تبدأ مراكز وبيوت التكية الأوسية من حدود المملكة البريطانية في أوروبا حتى أعماق إفريقيا وصولا للصين ومرورا بشرق أوروبا وجميع الدول العربية من بلاد المغرب حتى الشام ومن اليمن إلى الحجاز وجميع المدن الإسلامية شرقا وغربا..
تاريخ التكية تم إستهدافه فقام عن عمد بتجهيل الشعوب عنه وطمس ملامحه وسرقة مقتنياته عن عمد .
ولقد تم إضطهاد التكية لسنوات طويلة تقريبا منذ إحتلال نابليون بونابرت لمصر وهذا رغبة من المحتلين للإستيلاء على كنوز بلادنا وإلغاء الهوية والسيطرة على الدين الإسلامي وإثارة الفتن بين الناس وإستعباد المصريين بنظم ماسونية أسست عام ١٧٣٧..
التكية عمرها أكثر من ٦٠٠ عام أنشأت على يد جدي الأكبر الأمير أحمد الأوسي وأولاده وأحفاده بدأت من عام ١٥٠٩ وأغلقت أبوابها عام ١٩٣٦
والبداية عندما جاء الأمير أحمد الأوسي إلى مصر عام ١٥٠٦ مع بداية الخلافة العثمانية وهو من أمراء العرب الأتراك وينسب لقبيلة الأوس ..
بعدما جاء إلى مصر وجد البلاد والعباد في حالة يرثى لها من الفقر وجرائم المماليك وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية وكانت حوادث الحج في إرتفاع حتى وصل في بعض السنوات إلى إمتناع المسلمين عن القيام بالفريضة لصعوبة الوصول إلى الحجاز وهنا قرر الأمير الأوسي مخاطبة والي مصر لكنه كان مغرورا جدا ولم يسمع له فسافر للخليفة وعرض عليه الأحوال وقال له سأضع أملاك الأسرة لخدمة الحجيج وبيت الله الحرام وسأنقل كل أسرتي معي .. وبالفعل عاد لمصر وذهب لبيت المال الذي كان ينفق على الفقراء المساكين وأغراض أخرى وجده خاليا تماما ومنهوبا ، فقرر إنشاء التكية وأطلق عليها التكية المصرية ونسبت لإسم الامير الأوسي فاطلق عليها الوسية وأصبحت صرحا للعطاء والكرم أي إنسان يذهب إليها يأكل ويشرب ويطمئن وهذا كله عملا للتقرب من الله ..
وأمر الخليفة إعطاء الأمير أحمد الأوسي كل بلاد الدلتا تحت إشراف وإدارة الأمير ومن هنا ولد أعظم صرح تاريخي في حياة مصر والعرب ..
ما بين الوسية او التكية القديمة و الجديدة تاريخ عريق على العالم التعرف عليه ..
التاريخ لا يموت طالما خلفه ووراءه مطالب
التكية أو الوسية إسم ومرادف للعطاء الذي قدمته لمصر ومن مصر للعالم بأسره ليس فقط لخدمة الحجيج ورعايتهم وخدمة فريضة العمرة والحج على مدار العام .. بل لأغراض إنسانية أخرى سوف نستعرضها..
في خدمة الحج جهزت بيوتا عند رأس كل قرية في مسار الطريق المقدس نحو الحجاز وهناك كان البيت مجهزا من الفراش والأكل والشراب والجامع وحلقات العلم ومستشفى صغير ونزل لعابري السبيل وتأمين لرحلة الحجاج حتى يصلوا بأمان إلى مكة المكرمة.. مهما كان مكانك في العالم فأنت حتما ستمر بقافلتك على بيوت التكية حتى تؤنس طريقك .. وكل هذا خدمة مجانية
التكيه كانت تجهز كل عام أربع كسوات للكعبة المكرمة تصنع من الذهب الخالص وليس خيوط الذهب وأفضل الأقمشه الهندية
فتحت آلاف الكتاتيب لتحفيظ القران وآلاف المستشفيات والمساجد وبيوت عابري السبيل وبيت الطلبة وبيت المال كان في كل قرية
الوسية أو التكية دعمت علماء المسلمين وكانت ترمم الكنائس وتراعي الفقراء من المسلمين والمسيحيين و اليهود .
إهتمت بعلماء الدين وكانت تجلبهم لمصر للدراسة في الأزهر الذي أعطت له إهتماما كبيرا وفتحت له مدارس في كل المحافظات المصرية وفروع في الدول العربية والإسلامية.. إهتمت بأولياء الله الصالحين في بلادهم ومن جاء لمصر قامت بدعمه ونشر دعوته .
دعم التكية للعلم عبر الأزهر كجامعة إسلامية عريقة منارة العالم للعلوم كان واضح التأثير والرعاية ليست مادية فقط بل كانت تدعم العلم والابتكار والاختراعات
وظل الحال هكذا حتى جاء المحتل الفرنسي وبعد تولي محمد علي باشا مصر وإتفاقه الخفي مع الغرب لوقف التكية حتى تكون السلطه له ولأولاده ولا يكون هناك أمراء غيره يتحكمون فى البلاد .
أسرة الأوسية ٧٠٠ عام من العطاء .. عندما إستوطنت مصر قامت بما لم يقوم به الوالي العثماني وكانت أقوى منه وقامت برعاية المصريين.. هي أنجح وأفضل نموذج للعطاء لأنها أخذت حق إدارة الدلتا والعديد من المدن الصعيدية والأموال لم تنهبها ووضعتها في الخزانة بل صنعت بها كل هذا الإعجاز ..
لهذا كل ما أتحدث عنه من إعجاز في العطاء لكل العالم وخدمة البشرية علم وثقافة ورعاية وعبادة كانت من خير مصر والمصريين لكل العالم بلا إستثناء..
وكانت المنارة الوحيدة لرفع إسم مصر في الحج طوال العام وما تقدمه مصر من رعاية وإهتمام لكل الإنسانية على مستوى كل البلاد وبهذا روجت للأزهر وإتتشرت الدعوة الصحيحة والاجتهاد وتميز العلماء الذين دعمتهم في كل المجالات العلمية.. وأصبحت مصر قبلة العالم قبل الآستانة
كل هذا جعل نابليون بونابرت حاقدا على التكية المصرية وأحفاد الأمير أحمد الأوسي أصبحوا هدف له يجب التخلص منهم ووقف أعمال التكية وأكمل الدور بعده أسرة محمد علي ثم الاحتلال البريطاني أجهز عليها ودمرها نهائيا ..
ليختفي من كان يجمع الناس على كلمة سواء ..
وقفت الوسية وإنتشر الفساد والحج خرج عن النسق وليس النسك الذي خلق لأجله .. أصبح مجرد حركات وكلام يؤديها الحاج بلا أي معنى سوى أن يحصل على لقب حاج ..أين التعاليم الشريفة للحج والعمرة ؟!
أين التجمع الاسلامي الاكبر والاتفاق على كلمة سواء في موسم الحج؟!
أعود للوسية من كانت توظف داخلها المسلم والمسيحي واليهودي وفي البلاد الأخرى المختلطة كانت توظف كل الناس دون النظر للدين ..
بيت المال والمستشفيات وبيت العلم وبيت عابري السبيل وغيره كان لأي أحد غير المسلمين لكل الناس كانت تعامل البشرية من منطلق المساواة الحقيقة .. عقيدتك هي لنفسك عند رب العالمين ..
لهذا جدي الأكبر البسيوني الأكبر عندما لمح إختراق الإحتلال البريطاني بمعاونه من أولاد محمد علي للتميز بين المسلمين والمسيحيين وفرض الجزية إعترض وأعطى الأمان والحق لكل أبناء الوطن ورفع صوته في جامع الأزهر وقال كلنا أبناء مصر دم واحد لا فرق بين قبطي ومسلم وأخمد الفتنه الواقعة في محلها …
إنتهي أن العرض الذي سبق وكتبت عنه بعض الملامح هو تاريخ ليس لأسرة الأوسيه أو كيان كبير بل تاريخ لمصر والمسلمين حول العالم ..
الوسية والتكية تاريخ عظيم من حقك أن تعرفه لكي تعلم كيف كنا وكيف أصبحنا ..
إن شاء الله ما أمدني الله به من أوراق مهمة ومعلومات سأضعها بينكم .. السبب أني وأسرتي قد قررنا أن نعيد تاريخ الوسية والتكية .. وسيكون لنا حديث طويل عن تأسيس لجنة تاريخية لإعداد تكية الوسية الجديدة
هذا حق الأجداد وحق التاريخ ..نعم لدينا أصول في كل بلاد العالم بما فيهم مكة المكرمة والمدينة
نريد كأحفاد هذه الأسرة أن نعيد النظر في كل حقوقنا التاريخية التي طمست عن عمد على يد بشوات وأمراء محمد علي من تعاونوا مع الغرب والاحتلال الفرنسي والبريطاني لإلغاء كل شيء ينتمي للأسرة في إطار حربهم الخفي على الدين الإسلامي وما كان حرق مكتبات التكية والأزهر الشريف والإعتداء عليهم أثناء الاحتلال الفرنسي والبريطاني وفي عهد أسرة محمد علي الإنقضاض على صحيح الدين ليتبعه تأسيس دول دينية بمذاهب مشوهة تشبه الدين الإسلامي وتحيطه بالأكاذيب وتخلق الكراهية ضده في حرب الأربعمائة عام ضد الدين الإسلامي والذي كان إمتدادا وإنتقاما للحروب للصليبية وفي واقعة كان لإستبدال الأديان بالإلحاد والفكر الماسوني
إنني أبحث عن تاريخ أهم حقبة في تاريخ مصر التي طمست عن عمد ولا يوجد لها ذكر إلا في النكات الخفيفة
وعليه لقد قمت وأسرتي بتدشين المجلس الأعلى لأحفاد الأمير أحمد الأوسي ضمن فعاليات مؤسسة مكاني للتنمية المجتمعية والمهارية والمؤسسة ممثلا رسميا للأسرة كما سبق الإعلان عن هذا في مارس الماضي ٢٠٢٤
وأوجه الدعوة لكل علماء الآثار الإسلامية والقبطية والباحثين والأدباء والكتاب الماهرون في مصر والعالم العربي أن ينضم ويساهم بعلمه عن تاريخ الوسية وإعادتها للنور حفظا لتاريخ إنساني عظيم لم يسبق له مثيل ونموذج رائع للإرتقاء ودفاعا عن الولاء والانتماء للوطن .
الدكتورة عبير المعداوي
رئيس المجلس الأعلى لأحفاد الأمير أحمد الأوسيً أصحاب التكية أو الوسية المصرية العربقة حول العالم